إنها رحلة و سفر و آلام و غربة
و فراق و أحزان..و البعد عن أعز إنسان..
فما الذي انتهت به رحلة
شاعرنا علي ابن زريق
في رحلة البحث عن الغنى!!!
علي بن زريق
هو شاعرقوي و ملهم ضاقت به سبل العيش في بغداد التي اتسعت لغيره
فأغدقت وأعطت الى درجة الترف، وضاق صدرها به الى درجة العوز والفقر،
وضيق ذات اليد، وخصاصة العيش.
وكأن تلك سجية في بغداد وطبع من طباعها القديمة:
بَغدَادُ دار لأهلِ المال طيبةٌ
وللمفاليس دارُ الضنك والضيق
ظللتُ حيرانَ أمشيِ في أزقّتَها
كأنّني مصحفٌ في بيتِ زنديق!!!
فقرر الرحيل إلى بلد أخرى لعلها تقدر فنه وتجزل له في العطاء.
وكان محباً لزوجته، مفتوناً بها الى درجة الهيام،
وكانت تحاول منعه عن الرحيل نحو المجهول،
وكان في صراع بين حبه لزوجته وطموحه نحو الغنى، وترف العيش، والقطيعة مع الفقر.
وكانت الأندلس آنذاك قبلة الشعراء والفنانين والمبدعين..
فيمم وجهه شطرها بعد لحظات الوداع المؤلم الرهيب، مع زوجته.
وبعد ثلاثة أشهر من الرحيل وصل الى هناك، وكان قد أعد قصيدة مدح للخليفة الأندلسي...
وظن ان الوصول اليه سهلاً، وأن المرتقى الى درج بلاطه يسيرا،
ولكنه حيل بينه وبين الممدوح.. فهناك حراس، وحجاب، ووزراء.
وبذل المستحيل في الوصول الى الخليفة ليلقي القصيدة بين يديه فلم يفلح،
فتكالبت عليه الهموم من كل صوب: الحاجة والغربة، وعدم الوصول الى الممدوح،
والخوف من المجهول فألح عليه الهم والمرض، والفقر، حتى قيل انه لم يجد شيئاً يأكله،
فأخذ قصيدته تلك وحولها الى مدح خباز هناك
علّه يمن عليه برغيف يسدّ به غائلة الجوع!!
غير أن الخباز رمى القصيدة في وجهه وطرده..!
فذهب الى المسجد أو الخان الذي كان يسكن فيه
وكتب قصيدته المشهورة التي يحن فيها الى زوجته
ويعتذر اليها عن عدم إصغائه الى نصيحتها.
والقصيدة مشحونة بالأسى والحزن وآلام الفراق..
وفي الصباح وجدوه ميتاً وقد توسّد قصيدته الشهيرة
والتي يقول فيها مخاطباً زوجته:
من أجمل ما قيل في الشعر العربي .. وتعتبر من عيون الشعر العربي ..
لا تعذليــه فــإن العــذل يولعــه
قـد قلـت حقـا ولكـن ليس يسـمعه
جـاوزت فـي لومـه حـدا أضـرَّ به
مـن حـيث قـدّرْتِ أن اللـوم ينفعـه
فاسـتعملي الـرِفْقَ فـي تأنيبـه بـدلا
مـن عذلـه , فهو مَضْنِيُّ القلب موجعه
يكفيــه مـن لوعـة التـأنيب أن لـه
مـن النـوى كـل يـوم مـا يروعـه
مــا آب مــن سـفر إلا وأزعجـه
عــزم إلــى سـفر بـالبَيْن يجمعـه
كأنمــا هــو فـي حـل ومرتحـل
مــوكل بفضــاء اللــه يذرعــه
ومــا مجــاهدة الإنســان واصلـة
رزقــا , ولا دعـة الإنسـان تقطعـه
قــد وزع اللـه بيـن الخـلق رزقهـم
لـم يخـلق اللـه مـن خـلق يضيعـه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت
بغـي , ألا إن بَغْـيَ المـرءِ يصرعـه
والدهـر يعطـي الفتـى من حيث يمنعه
عفـوا , ويمنعـه مـن حـيث يطمعه
أسـتودع اللـه فـي بغداد لـي قمـرا
بــالكرخ مـن فلـك الأزرار مطلعـه
ودعتــه وبــودي لــو يــودعني
صفــو الحيــاة وإنــي لا أودعـه
وكــم تشــفّع بــي ألا أفارقــه
وللضــرورات حــال لا تشــفعه
وكم تشبث بي , خوف الفراق , ضحى
وأدمعـــي مســـتهلات وأدمعــه
لا أكـذب اللـه , ثـوب الصبر منخرق
عنـــي بفرقتــه لكــن أرقّعــه
أُعْطِيـتُ مُلْكـا فلـم أحسـن سياسـته
كـذاك مـن لا يسـوس الملـك يخلعه
ومـن غـدا لابسـا ثـوب النعيـم بلا
شــكر عليــه فعنـه اللـه ينزعـه
بمـن - إذا هجـع النـوام - بـت لـه
بلوعــة منـه ليـلي لسـت أهجعـه
لا يطمئــن لجـنبي مضجـع , وكـذا
لا يطمئـن لـه - مـذ بِنْتُ - مضجعه
مـا كـنت أحسـب أن الدهـر يفجعني
بــه , ولا أن بــي الأيـام تفجعـه
حـتى جـرى البيـن , فيما بيننا , بيد
عســراء تمنعنــي حـظي وتمنعـه
باللـه - يـا مـنزل العيش الذي دَرَسَتْ
آثــاره وعفــت مـذ بنـت أربعـه
هــل الزمــان مُعِيـدٌ فيـك لذتنـا
أم الليــالي الـذي أمضتـه ترجّعـه؟؟
فـي ذمـة اللـه مـن أصبحـت منزله
وجـاد غيـث عـلى مغنـاك يمرعـه
مــن عنـده لـي عهـد لا يضيعـه
كمــا لـه عهـد صـدق لا أضيعـه
ومــن يصـدع قلبـي ذكـره , وإذا
جـرى عـلى قلبـه ذكـري يصدعـه
لأصـــبرن لدهـــر لا يمتعنــي
بــه , ولا بــي فـي حـال يمتعـه
علمـا بـأن اصطبـاري معقـب فرجا
فــأضيق الأمـر إن فكـرت أوسـعه
عـلّ الليـالي التـي أضنـت بفرقتنـا
جسـمي - سـتجمعني يومـا وتجمعـه
وإن تغـــل أحــدا منــا منيتــه
فمــا الــذي بقضـاء اللـه نصنعـه
م/ن
و فراق و أحزان..و البعد عن أعز إنسان..
فما الذي انتهت به رحلة
شاعرنا علي ابن زريق
في رحلة البحث عن الغنى!!!
علي بن زريق
هو شاعرقوي و ملهم ضاقت به سبل العيش في بغداد التي اتسعت لغيره
فأغدقت وأعطت الى درجة الترف، وضاق صدرها به الى درجة العوز والفقر،
وضيق ذات اليد، وخصاصة العيش.
وكأن تلك سجية في بغداد وطبع من طباعها القديمة:
بَغدَادُ دار لأهلِ المال طيبةٌ
وللمفاليس دارُ الضنك والضيق
ظللتُ حيرانَ أمشيِ في أزقّتَها
كأنّني مصحفٌ في بيتِ زنديق!!!
فقرر الرحيل إلى بلد أخرى لعلها تقدر فنه وتجزل له في العطاء.
وكان محباً لزوجته، مفتوناً بها الى درجة الهيام،
وكانت تحاول منعه عن الرحيل نحو المجهول،
وكان في صراع بين حبه لزوجته وطموحه نحو الغنى، وترف العيش، والقطيعة مع الفقر.
وكانت الأندلس آنذاك قبلة الشعراء والفنانين والمبدعين..
فيمم وجهه شطرها بعد لحظات الوداع المؤلم الرهيب، مع زوجته.
وبعد ثلاثة أشهر من الرحيل وصل الى هناك، وكان قد أعد قصيدة مدح للخليفة الأندلسي...
وظن ان الوصول اليه سهلاً، وأن المرتقى الى درج بلاطه يسيرا،
ولكنه حيل بينه وبين الممدوح.. فهناك حراس، وحجاب، ووزراء.
وبذل المستحيل في الوصول الى الخليفة ليلقي القصيدة بين يديه فلم يفلح،
فتكالبت عليه الهموم من كل صوب: الحاجة والغربة، وعدم الوصول الى الممدوح،
والخوف من المجهول فألح عليه الهم والمرض، والفقر، حتى قيل انه لم يجد شيئاً يأكله،
فأخذ قصيدته تلك وحولها الى مدح خباز هناك
علّه يمن عليه برغيف يسدّ به غائلة الجوع!!
غير أن الخباز رمى القصيدة في وجهه وطرده..!
فذهب الى المسجد أو الخان الذي كان يسكن فيه
وكتب قصيدته المشهورة التي يحن فيها الى زوجته
ويعتذر اليها عن عدم إصغائه الى نصيحتها.
والقصيدة مشحونة بالأسى والحزن وآلام الفراق..
وفي الصباح وجدوه ميتاً وقد توسّد قصيدته الشهيرة
والتي يقول فيها مخاطباً زوجته:
من أجمل ما قيل في الشعر العربي .. وتعتبر من عيون الشعر العربي ..
لا تعذليــه فــإن العــذل يولعــه
قـد قلـت حقـا ولكـن ليس يسـمعه
جـاوزت فـي لومـه حـدا أضـرَّ به
مـن حـيث قـدّرْتِ أن اللـوم ينفعـه
فاسـتعملي الـرِفْقَ فـي تأنيبـه بـدلا
مـن عذلـه , فهو مَضْنِيُّ القلب موجعه
يكفيــه مـن لوعـة التـأنيب أن لـه
مـن النـوى كـل يـوم مـا يروعـه
مــا آب مــن سـفر إلا وأزعجـه
عــزم إلــى سـفر بـالبَيْن يجمعـه
كأنمــا هــو فـي حـل ومرتحـل
مــوكل بفضــاء اللــه يذرعــه
ومــا مجــاهدة الإنســان واصلـة
رزقــا , ولا دعـة الإنسـان تقطعـه
قــد وزع اللـه بيـن الخـلق رزقهـم
لـم يخـلق اللـه مـن خـلق يضيعـه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت
بغـي , ألا إن بَغْـيَ المـرءِ يصرعـه
والدهـر يعطـي الفتـى من حيث يمنعه
عفـوا , ويمنعـه مـن حـيث يطمعه
أسـتودع اللـه فـي بغداد لـي قمـرا
بــالكرخ مـن فلـك الأزرار مطلعـه
ودعتــه وبــودي لــو يــودعني
صفــو الحيــاة وإنــي لا أودعـه
وكــم تشــفّع بــي ألا أفارقــه
وللضــرورات حــال لا تشــفعه
وكم تشبث بي , خوف الفراق , ضحى
وأدمعـــي مســـتهلات وأدمعــه
لا أكـذب اللـه , ثـوب الصبر منخرق
عنـــي بفرقتــه لكــن أرقّعــه
أُعْطِيـتُ مُلْكـا فلـم أحسـن سياسـته
كـذاك مـن لا يسـوس الملـك يخلعه
ومـن غـدا لابسـا ثـوب النعيـم بلا
شــكر عليــه فعنـه اللـه ينزعـه
بمـن - إذا هجـع النـوام - بـت لـه
بلوعــة منـه ليـلي لسـت أهجعـه
لا يطمئــن لجـنبي مضجـع , وكـذا
لا يطمئـن لـه - مـذ بِنْتُ - مضجعه
مـا كـنت أحسـب أن الدهـر يفجعني
بــه , ولا أن بــي الأيـام تفجعـه
حـتى جـرى البيـن , فيما بيننا , بيد
عســراء تمنعنــي حـظي وتمنعـه
باللـه - يـا مـنزل العيش الذي دَرَسَتْ
آثــاره وعفــت مـذ بنـت أربعـه
هــل الزمــان مُعِيـدٌ فيـك لذتنـا
أم الليــالي الـذي أمضتـه ترجّعـه؟؟
فـي ذمـة اللـه مـن أصبحـت منزله
وجـاد غيـث عـلى مغنـاك يمرعـه
مــن عنـده لـي عهـد لا يضيعـه
كمــا لـه عهـد صـدق لا أضيعـه
ومــن يصـدع قلبـي ذكـره , وإذا
جـرى عـلى قلبـه ذكـري يصدعـه
لأصـــبرن لدهـــر لا يمتعنــي
بــه , ولا بــي فـي حـال يمتعـه
علمـا بـأن اصطبـاري معقـب فرجا
فــأضيق الأمـر إن فكـرت أوسـعه
عـلّ الليـالي التـي أضنـت بفرقتنـا
جسـمي - سـتجمعني يومـا وتجمعـه
وإن تغـــل أحــدا منــا منيتــه
فمــا الــذي بقضـاء اللـه نصنعـه
م/ن